والجنّ عالم غير مرئى ، يعيش معنا على هذه الأرض ، كما تعيش كثير من المخلوقات ، غير المرئية ، كالديدان فى باطن الأرض ، وكأنواع كثيرة من الأسماك فى أعماق المحيطات .. وكوننا لا نرى هذه الكائنات ، لا يدعونا الأمر إلى إنكارها ، أو الشك فى وجودها ..
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن الجنّ ، وأنزل سورة باسمهم ، وقصّ علينا شأنا من شئونهم ، وأعلمنا أن منهم المؤمنين ، وأن منهم الفاسقين .. فيلزمنا التصديق بهم .. كما تحدث القرآن عنهم ..
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) إشارة إلى أن سلطان الله سبحانه وتعالى قائم على هذه الكائنات ، وأنه سبحانه قد سخّرها لتخدم عبدا من عباده ، هو سليمان ـ عليهالسلام ـ فهى واقعة تحت هذا الحكم ، لا تخرج عنه. ومن خرج عنه منها ، عذبه الله عذابا أليما ..
وليس كل الجن سخّر لسليمان ، وإنما بعض منهم ، كما يفهم من قوله تعالى : (وَمِنَ الْجِنِّ) أي ومن بعض الجن ..
قوله تعالى :
(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ..
أي أن هذه الجماعة من الجن ، التي سخرها الله لسليمان ، تعمل له ما يشاء : «من محاريب» أي بيوت عبادة ، فالمحراب هو مكان العبادة ، كما قال تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) .. «وتماثيل» أي صور كائنات وأشياء مجسدة ، يزين بها ما يبنى من دور وقصور ، وبيوت عبادة ، «وجفان كالجواب» الجفان جمع جفنة ، وهى القصعة الكبيرة يوضع فيها الطعام للآكلين.