والرأى عندنا ـ والله أعلم ـ أن إلانة الحديد لداود ، إنما كانت جارية على سنن الحياة ، وأن الله سبحانه قد علّمه الأسلوب الذي يلين به الحديد ، وهو عرضه على النار ، والنفخ فى النار حتى يحمّر ، ويقبل الطرق .. وذلك ما لم يكن معروفا للناس فى ذلك الزمن .. ولهذا كان داود أول من صنع من الحديد دروعا ، كما يقول سبحانه وتعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) (٨٠ : الأنبياء) .. وبهذا يكون داود عليهالسلام ، أول من طرق الحديد ، متوسلا إلى ذلك بما علمه الله ، من عرض الحديد على النار ، حتى يلين ، ويقبل الطرق ..
وقوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) أي وأوحينا إليه أن عمل دروعا سابغات ..
وقوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي أحكم السرد ، واضبطه .. وهذا توجيه من الله سبحانه وتعالى بإتقان العمل ، وإحسانه ، وضبطه على أحسن وجه له ..
وقوله تعالى : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) .. هو معطوف على قوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي أحسن الصنعة وأحكمها .. وأحسنوا أيها الناس جميعا كلّ عمل تعملونه ، وأخرجوه على الوجه المرضىّ .. فإن إحسان العمل مما يحسب فى الصالحات للإنسان .. فليس الإحسان فى العمل مطلوبا من الأنبياء وحدهم ، وإنما هو مطلوب من كل إنسان .. (وَأَحْسِنُوا .. إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
وقوله تعالى : (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ـ إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى مطلع على عمل كل عامل ، وأنه سبحانه بصير بما يعمل العاملون ، يكشف ما فى العمل من عيب أو عوج ..