فالجبال هنا مأمورة من الله سبحانه أن تسبّح مع داود ، وأن تقوم إلى جانبه شاكرة لله ، وكأنها من صنعة داود ، وغرس يديه .. وهذا إحسان من الله على عبده داود ، فوق إحسان ، وفضل فوق فضل .. وذلك ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) أي زيادة فى الإحسان ، ومزيدا من النعم ، يفضل بهما كثيرا ممن أنعمنا عليهم من عبادنا ..
والتأويب : الترديد والترجيع ، فهو من الأوب ، والرجوع .. وتأويب الجبال مع داود ، هو ترديد تسبيحه ، فيكون ذلك أشبه بالصدى للصوت ، حيث ، يرجع الصوت فى هذا الصدى إلى مصدره الذي جاء منه.
وقوله تعالى : (وَالطَّيْرَ) .. الواو هنا واو المعية ، والطير مفعول معه .. والتقدير : وقلنا يا جبال أوّبى معه ، مع الطير التي تسبح معه.
وعلى هذا يكون الأمر من الله سبحانه وتعالى ، متجها إلى الجبال ، وإلى الطير ، لتشارك داود التسبيح لله ، ولتعينه على حمد الله وشكره ..
واختيار الجبال ، والطير ، من بين الكائنات كلها ، إنما هو ـ والله أعلم ـ لأن الجبال أبرز وجوه الأرض ، فهى أشبه بالسلطان القائم عليها ، والطيور هى ملوك السماء ، وأبرز ما يحلّق فى أجوائها من ذوات الأجنحة ، كالذباب ، والبعوض ، وغيره ..
وقوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أي أخضعناه لسلطانه ، وجعلنا له القدرة على التصرف فيه ، وتشكيله على الوجه الذي يريد ..
والذي يجمع عليه المفسرون ، أن الله قد ألان الحديد ليد داود ، وغيّر طبيعته ، فجعله فى يده مثل العجين ، يشكّله كيف يشاء ، كما يشكل المرء صورة من الطين أو العجين ..