والجواب على هذا ، هو أن هذا الخطاب كان لهؤلاء المنافقين والذين فى قلوبهم مرض ، وهم في حضور مع المؤمنين في ميدان القتال .. يعيشون بتلك الخواطر المريضة ، والمشاعر الكاذبة ، ويديرون في كيانهم وجوه الأعذار التي يعتذرون بها للفرار من هذا الموقف .. هذا هو حالهم قبل أن يفروا .. فلما اجتمع لهم الرأى على الفرار ، وفرّوا ـ كان الحكم عليهم غيابيا ، فى مواجهة المؤمنين .. فلا يستمعون هم إلى هذا الحكم ، ولا يدرون ما ذا يريد الله بهم ، حتى يفجؤهم العذاب ، وينزل بهم البلاء ، وهم في غفلة عنه .. وفي هذا بلاء فوق البلاء ، وعذاب فوق العذاب ..
قوله تعالى :
(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً).
المعوقون : هم الذين يمسكون غيرهم عن الخروج مع المؤمنين إلى القتال ، بدءا ، بعد أن فعلوا هذا بأنفسهم أولا .. فهم لم يخرجوا إلى القتال ، ثم ثبّطوا غيرهم ، وزينوا لهم القعود.
والقاتلون لإخوانهم هلمّ إلينا .. هم الذين قعدوا عن القتال ، ولم يخرجوا ، ثم سعوا إلى تحريض الذين خرجوا إلى القتال ، وزينوا لهم أن يعودوا إليهم ، وأن يقعدوا معهم كما قعدوا هم ، قائلين لهم .. (هَلُمَّ إِلَيْنا) ـ أي أقبلوا إلينا .. وهلم اسم فعل أمر ، يلزم حالا واحدة في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، فيقال للاثنين : هلم ، وللجمع : هلم ..
والبأس : القتال ..
و «قد يعلم» .. بمعنى قد علم الله .. لأن علم الله سبحانه وتعالى قديم .. والتعبير عن العلم بفعل المستقبل ، إنما هو بالنسبة لما سيقع من أصحاب هذه