فالمؤمن بالله إيمانا حقّا ، فى هجرة إلى الله دائما ، ما دام قائما على طريق الحق ، والخير .. يهجر كل منكر ، ويجتنب كل فاحشة ، وفي الحديث : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ..» وقد كانت هجرة «لوط» إلى ربه هجرة مباركة ، إذ التقى على طريقه إلى الله ، بالنبوّة ، فكان من المصطفين الأخيار من عباد الله المكرمين.
قوله تعالى :
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).
هو معطوف على قوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) .. وهو تتمة لقصة إبراهيم ، وفي عطف هبة الله سبحانه تعالى لإبراهيم إسحق ويعقوب ـ على إيمان لوط له ـ إشارة إلى أن إيمان لوط لإبراهيم واستجابته له ، هو من كسب إبراهيم ، ومن النعم الجليلة التي أنعم الله بها عليه. كما أنعم عليه بالولد بعد الكبر ..
وفي تأخير الإنعام بالولد ، على إيمان «لوط» مراعاة للترتيب الزمنى من جهة ، إذ كان إيمان لوط واستجابته لإبراهيم أسبق زمنا من البشرى بإسحاق .. ثم هو من جهة أخرى جزاء حسن ، على هذا الفعل الحسن الذي كان من نتاجه ميلاد لوط في الإسلام ، بدعوة إبراهيم .. فقد ولد إبراهيم لله ولدا ، هو «لوط» .. فأخرج الله من صلب إبراهيم ولدا في الإسلام! وهذا ما يشير إليه ـ قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) .. فهذا الولد هو بعض أجره في الدنيا. ـ وفي قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) ـ إشارة إلى حصر النبوّة في ذرّية إبراهيم ، من بعده ، بمعنى أن الأنبياء الذي استقبلتهم الحياة من بعد إبراهيم كانوا جميعا من ذريته .. أما الأنبياء الذين سبقوه فكانوا من ذرية نوح ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ