قوله تعالى :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
وهذا الأمر مترتب على ما سبق في الآية السابقة ، التي نخست هؤلاء الغافلين ، تلك النخسة الموجعة ، لما هم فيه من عمى وضلال عن آيات الله .. وأنهم إذا كانوا لم يعلموا ، فليطلبوا العلم .. وها هي ذى سبل العلم ميسرة ، فليسيروا فى الأرض ، وليقلبوا وجوه النظر فيها .. وهذا أسلوب من أساليب تحصيل العلم بالتجربة الحسية ، والانتقال من المحسوس إلى المعقول ، على حين كان أسلوب تحصيل العلم في الآية السابقة عن طريق التأمل والتدبر .. وهذا الأسلوب التجريبي في تحصيل العلم ، وإن كان له جلاله وخطره في لمس الحقيقة ، إلا أنه دون الأسلوب الأول الذي يحصّل فيه العلم بتوجيه العقل مباشرة إلى الحقيقة ، مستهديا في ذلك بحدسه ، وبصيرته .. وذلك في مجال البحث عما وراء الطبيعة من الغيبيات ، التي تتعلق بالبعث والقيامة ، والحساب والجزاء .. فهذه الأمور وأمثالها لا يمكن إدراكها عن طريق الحسّ ، ولا بتقليب النظر في المدركات الحسية .. وإن كان المدركات الحسية شأن هنا ، فإنما هو فيما يبدو منها من إشارات خافتة ، وما يندّ منها من شرارات متطايرة ، فإذا وجدت هذه الإشارات بصيرة نافذة ، وعقلا متفتحا ، كانت منطلقا للمدارك الإنسانية العليا نحو الحقيقة ، وإذا وجدت هذه الشرارات المتطايرة قلبا يجمعها إليه اتقدت منها جذوة تضىء جوانب النفس وتكشف للعقل معالم الطريق إلى الحق والهدى ..
قوله تعالى :
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) .. أي كما