وجواب الإسلام على هذا هو أنه لا ينكر حق الوالدين ، والطاعة المفروضة على الأبناء لهما ، ولكن هذا ، حق إذا تعارض مع حق هو أولى منه ، قدّم الحق الأولى عليه ..
وهنا حق أول ، لزم الابن ، ووجب عليه ، هو الإيمان بالله .. وإن أي حق يتعرض هذا الحق لا يلتفت إليه ..
وإذن ، فالذى يقتضيه الموقف الذي يقفه الابن المؤمن من والديه المشركين ، هو أن يلزم جانب الإيمان بالله ، وألا يجعل من طاعته لهما عصيانه لله ، وكفره به ، على أن يلتزم الابن ـ ما استطاع ـ حدود الأدب معها ، وألا يعنف بهما ، وألا يسوق شيئا من الأذى إليهما ، وحسبه أن يظل ممسكا بدينه ، حريصا عليه ، لا تنال منه أية قوة ، مهما كان بأسها ، وسلطانها ..
وفي قوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) دعوة إلى التمسك بالدين ، على الرغم من مجاهدة الوالدين للابن ، وقسوتهما عليه ، وأخذه بكل ما لهما عليه ، من سلطان مادى أو أدبى.
وقوله تعالى : (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ـ إشارة إلى أن المعتقد الدسني السليم ، يجب أن يقوم على أساس من العلم ، الذي يقيم لصاحبه تصوّرا واضحا ، وإدراكا سليما للإله الذي يعبده .. أما أن يدين الإنسان بما دان به آباؤه وأجداده ، من غير أن يكون له نظر وفهم ، ومن غير أن يجد بين يديه الحجة والبرهان على أحقية معبوده بالعبادة ، فذلك معتقد لا ينتفع به صاحبه ، وإن كان في ذاته معتقدا سليما ، لأنه لم ينبع عن إرادته ، ولم يتصل بمشاعره. فهو كائن غريب في كيانه ، وهذا يعنى أن الأبوين ـ أحدهما أو كليهما ـ إذا كانت منهما دعوة إلى ابنهما أن يعبد إلها غير الله ، وأن يدين بدين غير الإسلام ، الذي آمن به عن نظر