وهي مكة ـ معلم من معالم الحق على هذه الأرض ، وأنها أكرم وأعظم ما يشار إليه منسوبا إلى الله سبحانه مما على هذه الأرض .. إذ كان فيها أول بيت وضع للناس .. وإذ هي قبلة كل من يؤمن بالله ، لا قبلة لأهل الإيمان غيرها .. وقد أشار القرآن الكريم إشارة أخرى في قوله تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣ : قريش).
وقوله تعالى : (الَّذِي حَرَّمَها) ـ الاسم الموصول يعود إلى ربّ البلدة ، لا البلدة.
وفي قوله تعالى : (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) إضافة لكل موجود في هذا الوجود إلى الله سبحانه وتعالى .. فكل شىء هو ملك لله ، لا شريك له فيما ملك.
وقد أضاف الله سبحانه ، البلدة (مكة) إلى ربوبيته ، وأضاف الوجود كله إلى ملكه ، وفي هذا تشريف عظيم لهذه البلدة ، ورفع لقدرها ، وأنها مختصة منه سبحانه بمزيد من الفضل والإحسان ، حيث تربى في نعم الله ، وتستظل بظل ربوبيته .. وإذا كان كل شىء مربوبا لله ، فإن لله سبحانه ما يشاء من اختصاص بالفضل والإحسان .. (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). (١٠٥ : البقرة)
وقوله تعالى : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ـ إشارة إلى أن الدين الذي بدين به النبي ليس دينا خاصا به وحده ، ولا مقصورا عليه وحده ، وإنما هو دين كل من يؤمن بالله .. فهو واحد من المسلمين ، وإن كان سيد المسلمين وإمامهم ..
وقوله تعالى : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) ـ معطوف على قوله تعالى : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي وأمرت أن أتلو القرآن ، على الناس وأبلغهم إياه .. هذه هي رسالتى : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) .. أي لا سلطان لى على أحد ، وإنما أنا نذير لكم بين يدى عذاب