كراهية له .. وهو هنا كناية عن كل ضالّ أضلّ صاحبه ، كما يقول الله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٦٧ : الزخرف).! فالأخلّاء فى الدنيا ، إذا كانت المخالّة بينهم قائمة على الخير ، وعلى الإيمان والتقوى ، كانت فى الآخرة روحا وأنسا .. أما إذا كانت قد جمعت بينهم على طريق الضلال والغواية ، فإنها تكون يوم القيامة حسرة وندامة ، وعداوة بادية ، وتراميا باللّعن والسّباب .. وفى هذا يقول الله تعالى فى الكافرين : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٥ : العنكبوت).
روى أن بعض الصالحين ، افتتن بامرأة ، حتى كاد يجنّ بها ، ولم يستطع مغالبة هواه ، وجعل يتوسل إليها بوسائل كثيرة ، وهى تأبى عليه ، حتى إذا استجابت له بعد لأى ، وأمكنته من نفسها ، أعرض عنها ، وفرّ من وجهها ، فسألته : لم هذا الإعراض والفرار ، بعد الطلب الملحّ والملاحقة المتصلة؟ فقال : لقد ذكرت قول الله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) .. وأنا أريد أن أحرص على هذا الحبّ الذي لك فى قلبى ، وأحتفظ بذلك الإعزاز الذي لك فى نفسى ، وألّا ينقلب هذا الحب وذلك الإعزاز إلى عداوة وخصام ، ولعان .. يوم القيامة!!
وقوله تعالى : (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) ـ هو مقولات الظالم يوم القيامة ، حيث ينحى باللائمة على كل من كان سببا فى إضلاله وغوايته. (وَالذِّكْرِ) هو ذكر الله ، والاتجاه إليه ، والإيمان به .. وقد جاء ذلك الذكر على لسان الرسول الكريم فى آيات الله المنزلة عليه .. فالقرآن الكريم ، هو ذكر فى ذاته ، وهو منبع الذكر ، ومصدره ، كما يقول الله تعالى : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١ : ص).