وتستسيغ طعمه ، لما ترى فيه من خلاص لها من هذا القيد ، الذي أمسك بها عن الانطلاق إلى عالمها العلوي ، حيث تروى ظمأها ، وتبرّد نار أشواقها ، وتنعم فى جنات النعيم التي وعد الله المتقين ..
أما النفس الضالة الآثمة ، فإنما يحضرها عند الموت ، حصاد ما عملت من آثام ، وما ارتكبت من منكرات ، وتشهد ما يلقاها من غضب الله وعذابه ، فتكره الموت ، وتجد فيه ريح جهنم التي تنتظرها .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) (٩٣ : الأنعام) وقوله سبحانه : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٥٥ : التوبة).
وفى قوله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) إشارة إلى ما يقع للناس فى دنياهم مما يرونه شرا أو خيرا .. فذلك كله ابتلاء لهم ، واختبار لما يكون منهم مع الشرّ من صبر أو جزع ، ومع الخير من شكر أو كفر ..
فما تستقبله النفوس مما يكره ، هو ابتلاء لها على الرضا بقضاء الله ، والتسليم له .. وما تستقبله مما يحبّ ، هو امتحان لها كذلك ، على الشكر والحمد لما آتاها الله من فضله وإحسانه ..
فالنفوس المؤمنة ، لا تجزع من المكروه ، ولا تكفر أو تبطر بالمحبوب ، لأن كلّا من عند الله ، وما كان من عند الله فهو خير كله ، محبوب جميعه .. هكذا تجده النفوس المؤمنة بالله ، العارفة لجلاله ، وعظمته ، وحكمته ..
أما النفوس الضالة عن الله ، فإنها إن أصابها شىء من الضرّ ، جزعت ، وزادت كفرا وضلالا ، وإن مسّها الخير ، نفرت نفار الحيوان الشرس ، واتخذت من نعمة الله سلاحا تحارب به الله ، وتضرب فى وجوه عباد الله ..