ولم يبق إلا قليله ، فقد التقى بهم الرسول الكريم وقد جاوز الأربعين ، وها هو ذا صلوات الله وسلامه عليه ، لا يزال بينهم وقد نيّف على الخمسين ، وإذن فهى سنوات قليلة ينتظرونها على مضض ، حتى يأتيه النون!
وهذا ما حكاه القرآن عنهم فى قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (٣٠ : الطور).
فجاء قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) مسفّها هذا المنطق السقيم ، الذي جعلوه أداة من أدوات الغلب فى أيديهم .. فالموت حكم قائم على كل نفس .. فإذا مات النبىّ ، فليس وحده هو الذي يصير إلى هذا المصير ، وإنما الناس جميعا ، صائرون إلى هذا المصير .. فكيف يكون الموت أداة من أدوات المعركة بينهم وبين النبي؟ وكيف يكون سلاحا عاملا فى أيديهم على حين يكون سلاحا مفلولا فى يده ، إذا صحّ أن يكون من أسلحة المعركة؟ ولهذا ردّ الله عليهم بقوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ؟) .. فما جوابهم على هذا؟ إنهم لن يخلّدوا فى هذه الدنيا ، فما هذه الدنيا دار خلود لحىّ .. (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣٠ : الزّمر) .. إن المعركة بين حق وباطل ، فما سلاحهم الذي يحاربون به فى هذا الميدان؟ إنه الباطل ، وإنه لمهزوم مخذول : (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)
قوله تعالى :
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) هو جواب على هذا السؤال الذي جاء فى الآية السابقة : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)؟ وهو جواب ينطق به لسان الحال ؛ ويشهد له الواقع.
وفى قوله تعالى : (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) إشارة إلى أن للموت طعما ، تجده النفوس حين تفارق الأجساد ..
وهذا الطعم يختلف بين نفس ونفس .. فالنفس المؤمنة تستعذب ورده ،