النفس والمال ، بالجهاد فى سبيل الله ـ فإنها رسالة قائمة على الرحمة والعدل ، ليس فيها حرج ومشقة على أهلها ، إذ أن من أسسها العامة أنه (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ..) وأن كل إنسان يحمل من تكاليفها وأوامرها قدر ما يستطيع ، وفى هذا القدر تحقيق لأدنى المطلوب ..
ففى باب الجهاد مثلا ، يبدأ الجهاد بمجاهدة النفس ، وكفها عن المحرمات ، وردّها عن الأهواء والشهوات ، وهذا وإن كان الجهاد الأكبر ، كما سماه رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فإنه قريب من كل إنسان .. إنه أقرب شىء إليه ، لا يتكلّف له مالا ، ولا يبذل له نفسا .. ومع هذا فهو درجات .. يبدأ بالكف عن الكبائر ، وينتهى بالانتهاء عن اللّمم والصغائر ..
ومن الجهاد مثلا .. الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. فهو مجاهدة بالقلب وباللسان ، لا بالنفس ولا بالمال ..
وفى باب الجهاد كذلك ، رفع الله الحرج عن الضعفاء والمرضى ، وأصحاب العاهات ، ونحوهم ، وأعفاهم من الجهاد بأنفسهم .. (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩١ : التوبة) ..
وقل مثل هذا فى جميع أوامر الشريعة وأحكامها .. إنها شريعة قائمة على اليسر ورفع الحرج ، وفى هذا يقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١٦ : التغابن) أي فى حدود ما تحتمل أنفسكم ، وما تتسع له طاقاتكم .. وفى الحديث الشريف : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .. وفى الحديث أيضا : «إن هذا الدين ذلول لا يركب إلا ذلولا» أي إن هذا الدين سمح سهل ، لا ينتفع به إلا إذا أخذ سمحا سهلا ، تتقبله النفوس ، وتنشرح له الصدور .. شأنه فى هذا شأن الطعام ، لا يفيد منه الجسم ، إلا إذا طابت له