ولهذا جاء قول الله هنا منبّها إلى تلك المرحلة التي قد يبلغها الأبوان من العمر ، وما ينبغى أن يكون عليه سلوك الأبناء فيها معهما : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً).
و «إمّا» أصلها «إن» الشرطية ، «وما» الزائدة للتوكيد.
و «أفّ» صوت ، يدل على الضجر ، والضيق من قائله إلى المقول له ..
ولا تنهرهما : النّهر : الزجر ، والتعنيف فى الخطاب ..
فالآية الكريمة ، ترسم أدب الحديث مع الوالدين فى حال بلوغهما الكبر .. فالكلمة النابية تجرح مشاعرهما ، وتكدر خاطرهما ، والكلمة الطيبة تنعش روحيهما وتشرح صدريهما ..
إن الأبوين فى حال الكبر لا يحتاجان إلى كثير من الطعام أو الكساء ، أو غيرهما من متع الحياة ، وإنما الذي يحتاجان إليه فى تلك الحال ، هو الإحسان إليهما بالكلمة الطيبة ، إذ كان أكثر ما يملكانه ويتعاملان به فى هذه الحال هو الكلام ، أخذا ، وعطاء ..
قوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) ..
هو معطوف على قوله تعالى : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ..
وخفض الجناح ، كناية عن لين الجانب ، ولطف المعاشرة ، ورقّة الحديث. والإنسان فيه جانبان من كل شىء .. جانب الخير ، وجانب الشر .. جانب القوة ، وجانب الضعف ، جانب الشدة ، وجانب اللين ، وهكذا ..
وبين جانبى الإنسان إرادة ، هى التي تنزع به إلى أي الجانبين .. فهو فى