على رجم ابنه؟ أإلى هذا الحد ينحدر الإنسان إلى مالا يرضى به الحيوان لنفسه مع أولاده؟
ولقد أفاق الرجل من سكرة جهله ، وضلاله ، حين نطق بهذه الكلمة (لَأَرْجُمَنَّكَ) ورأى أن ابنه قتيل بيده ، وأنه دمه يسيل فيغطى الأرض من حوله .. ومع هذا فلم تكن هذه الصحوة لتعيد إلى الرجل ما عزب من عقله ، أو لتصحح ما انحرف من عاطفته ، بل إن كلّ ما كان لهذه الصحوة ، هى أن جعلته يذكر أنه أب قد كانت بينه وبين هذا الإنسان الذي يهمّ برجمه ، شئون وشئون .. وهذا ما جعله يمسك يديه عن هذا الفعل الآثم ، فيصرخ فى إبراهيم : أن أغرب عن وجهى ، قبل أن يعود إلىّ جنونى ، وأفتك بك!! وهذا هو سرّ العطف بين قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) وقوله تعالى : (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) الأمر الذي يشير إلى أن هنا كلاما محذوفا بين المتعاطفين ، تقديره : فانج بنفسك (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أي اهجرني زمنا طويلا ، وليكن إلى الأبد!
وانظر كيف استقبل إبراهيم هذه الثورة العاصفة المجنونة ، وكيف ردّ هذا الحمق الجهول ، بتلك القولة الكريمة الحانية : (سَلامٌ عَلَيْكَ .. سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي .. إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)!! أي إن ربّى كان مكرما لى إكراما عظيما .. وكما أكرمنى ربّى ، سأكرمك بالاستغفار لك ؛ وطلب المغفرة من ربّى!
إنها الكلمة الجديرة بأن تكون من خليل الرحمن ، الذي وصفه سبحانه وتعالى بقوله. (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (٧٥ : هود).
فما يكون هذا الحلم ، ولا تلك الوداعة ، ولا ذلك الرفق ، إلا من مثل هذا النبىّ الكريم ، الذي أدّبه ربّه أدبا رفعه به إلى مقام الخليل!
ويأخذ إبراهيم طريقه إلى ربّه ، ويدع أباه وقومه ، وما هم فيه من عمى