وهكذا تنتهى مسيرة ذى القرنين ، يصحبه فيها عقل حكيم ، وقلب سليم ، متخذا إلى غاياته الأسباب المستقيمة مع العدل والإحسان ..
إنه يضع فى مسيرته تلك آثار أقدام الإنسان الرشيد ، المهتدى بعقله ، الموقظ لضميره .. فكاد الإنسان بتحريك ملكاته ، وإطلاق قوى الخير فيه ـ كاد ـ يتعادل ميزانه مع ميزان الإنسان الذي يتلقى فيوض العلم العلوي ويقيم خطواته على هديها ..
وهكذا يستطيع الإنسان أن يثبت أنه كائن له إلى العالم العلوي سبيل ، وأن بينه وبين الملأ الأعلى طريقا يصل ما بين الأرض والسماء ..!!
* * *
ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى ما بين قصة ذى القرنين ، وقصة العبد الصالح من تلاق وتوافق فى أكثر من وجه .. كما أشرنا إلى ذلك من قبل ..
والذي نود أن نشير إليه هنا من وجوه هذا التلاقي والتوافق ، هو ما جاء فى قصة العبد الصالح من قوله لموسى ، حين أراد فراقه : (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) فلما نبأه بتأويل هذا قال له : (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) ..
وهنا فى قصة ذى القرنين يجىء قوله تعالى : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً).
فيجىء فعل الاستطاعة فى القصتين ، بتاء المطاوعة مرة ، ويجىء بغير التاء مرة أخرى ..
وقد قلنا إن هذه التاء تدل على زيادة فى الشدة والقسوة ، حيث يفترق بها فعل عن فعل ..