ومن تمام هذا التدبير الحكيم فى إقامة «الردم» أن يختبر ، وأن يرى منه القوم ثمرة هذا الجهد العظيم الشاق الذي بذلوه فيه ..
وقد رأى القوم رأى العين الأثر العظيم الذي كان لهذا «الردم» .. فقد مضت الأيام ، والشهور ، دون أن يطرقهم طارق من هذا الشرّ الذي كان يبغتهم مصبحين وممسين ، وكذلك رغم المحاولات التي بذلها يأجوج ومأجوج ، لتسلقه ، أو إحداث نقب أو ثقب فيه ، ينفذون منه ، كما يقول تعالى :
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً)
هذا هو الذي نطق به لسان الحال ، وتحدث به القوم ..
وحين رأى ذو القرنين هذا قال :
(هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).
أي أن هذا الرّدم ، هو رحمة من رحمة الله ساقها الله سبحانه وتعالى ، إلى هؤلاء القوم على يديه ..
ووعد الله هنا ، قد يكون مرادا به يوم القيامة ، وقد يكون مرادا به الأجل المقدور فى علم الله لبقاء هذا الرّدم .. والرأى الأول هو الأولى ، إذ كانت الآية التالية لهذه تومىء إليه ، وهو قوله تعالى : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) ..
وهذا يعنى أن هذا الرّدم قد صار أشبه بجبل من تلك الجبال المتصلة به من طرفيه ، وأنه باق ما بقيت فإذا جاءت أشراط الساعة ، دك هذا الردم ودكت الجبال كلها .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى سورة أخرى :
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (١٤ : الحاقة).