وهذا ـ على الأقل ـ هو الذي يعفيه من المسئولية أمام عقله وضميره!
* * *
وفى نظرة الإسلام إلى القدر ، تلك النظرة التي يبدو منها القدر غائبا كحاضر ـ فى هذه النظرة يقوم القدر على الناس ، سلطانا رحيما ، يفيئون إلى ظلّه الظليل ، إذا هم أضناهم السير ولفحهم الهجير وأقعدهم الإعياء!
فالقدر فى التفكير الإسلامى ، لا يلتقى به المسلم إلا عند آخر المطاف من سعيه الذي سعى ، وعمله الذي عمل ، لا أن يقدّمه بين يدى كل عمل ، فإن هذا من شأنه أن يقعد بالإنسان عن أن يعمل أو أن يسعى ، تاركا زمامه للقدر ، يتصرّف كيف يشاء ..
وفى هذا اللقاء الذي يلتقى فيه الإنسان مع القدر ـ بعد كل عمل لا قبله ـ فى هذا اللقاء يلقى الإنسان بوجوده كلّه ، وبما أصاب ، أو أصيب به ـ يلقى بهذا كله فى ساحة القدر!
فإن يكن قد أصاب خيرا لم يقل قولة قارون من قبل : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٧٨ : القصص) بل يقول قولة المؤمنين الشاكرين : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (٤٠ : النمل).
وإن أصابته مصيبة ، أو مسه ضر ، لم يقل : (أَنَّى هذا؟) (١٦٥ : آل عمران).
بل يقول : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١٥٦ : البقرة) أو يقول :
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (١٨ : يوسف).
أما غير المؤمن ، فإنه لا يلتقى بهذا الوجه الكريم فى السراء أبدا ، ولا يتلقّى هذا العزاء الجميل فى الضراء أبدا ..