تفكيرنا وتقديرنا ، وألا نتطلّع إلى ما وراء ذلك .. ففى هذا ـ وفى هذا وحده ـ ضمان لاستقامة تصرفاتنا ، مع ما يصلح عليه أمرنا ، وأمر المجتمع الإنسانى الذي نعيش فيه ..
إن القوى المحدودة التي أودعها الله فينا ، هى التي تتفق اتفاقا تامّا مع الوجود الذي أقامنا الله عليه ، ومع الموجودات التي أوجدنا الله معها ..
فجوارحنا ، ومدركاتنا ، مضبوطة على أعدل وضع يمكن أن يعطينا من الحياة أكبر قدر يمكن أن نأخذه منها ، وأن ننتفع به على الوجه الملائم لنا .. ولو خرجت مدركاتنا وحواسنا عن هذا المعدّل ـ بالزيادة أو النقص ـ لاضطرب وجودنا ، وفسد نظام حياتنا ..
فالماء الذي نشربه ، والذي نراه نظيفا ، سائغا ـ إذا نظرنا إليه بما وراء أبصارنا ـ كالمجهر مثلا ـ رأيناه مسبحا لجيوش كثيرة من الحيوانات .. وهو بهذه النظرة يتحول ـ فى تصورنا ـ من طيّب سائغ ، إلى ماء تعافه النفس ، وتقزّز منه ، وتموت عطشا دون أن تقدم على شربة منه ..
وكذلك قل فى كل ما نأكل وما نشرب. إننا لا نرى فى مأكولنا ومشروبنا ما نكره ، ولكنا إذا نظرنا إليه بعيون مجهريّة ، تبين لنا أن هناك عوالم سابحة فيه ، من غرائب المخلوقات ، تأخذ طريقها إلى جوفنا ، دون أن نراها ، فلا يهنئونا مع ذلك طعام ، ولا يسوغ لنا شراب! وقل مثل هذا فى المسموعات ، والمشمومات والمذوقات ، إذا نحن جئناها بحواس أقوى أو أضعف من حواسّنا .. إنّها تقع منا موقعا بغيضا كريها ..
من الخير إذن ، ومن الرحمة بنا أن نعيش فيما خلقنا الله بما خلقنا به ، وألّا نذهب إلى أبعد مما قدّر لنا .. بل نجعل الأسباب المعروفة لنا ، هى الأساس الذي نتصرف بمقتضاه ، فى تعاملنا مع الحياة ، وملابستنا للموجودات .. ثم ليكن