وتعمل جميعها لهدف واحد .. فلا يرى الرائي منها إلا حركة واحدة ، وإلا اتجاها واحدا .. هكذا يرى المهندس الميكانيكى أو الكهربى حركات الجهاز ، الذي يقوم عليه ، ويديره .. إنه يعرف وضع كل قطعة منه ، كما يعرف وظيفتها ودورها الذي تؤديه ..
أما من ينظر إلى هذا الجهاز نظرا سطحيا بغير علم ، فإنه لا يرى فيه إلا أشياء صاخبة مضطربة ، يضرب بعضها وجه بعض!
كذلك هذا الوجود الذي نحن فيه ، وهذا العالم الذي تقلّنا أرضه ، وتظلنا سماؤه ـ حيث ننظر ، فلا نرى ـ لعلمنا القاصر .. إلّا فوضى ، وإلا اضطرابا ، وإلا تخالفا وعنادا بين كل موجود وموجود ، الأمر الذي يوقع بين الموجودات هذا الصراع الحادّ المتصل .. سواء فى ذلك عالم الجماد ، وعالم الأحياء .. فالبحر تهيجه العواصف وتثيره الرياح ، وهو بالتالى يصخب ويموج ، ويضرب بأمواجه العاتية فى أصول الجبال ، فتتصدع وتنهار .. والجبال بدورها ، تتصدى للرياح العاتية فتلطم وجهها ، وللسحب السائرة ، فتمزّق أوصالها ، وتلقى بها تحت أقدامها .. وكذلك الشأن فى عالم النبات والحيوان ، والإنسان .. هى فى صراع دائم ، فيما بينها وبين الموجودات القريبة أو البعيدة منها .. والإنسان بخاصة يواجه الموجودات كلها ، ويدخل معها جميعها فى صراع ، لا يلقى معها سلاحه إلا إذا استسلمت له ، وأعطته ولاءها ..
هكذا يبدو الوجود غارقا فى الفوضى ، لمن ينظر إليه نظرا شاردا ، لا يستصحب معه فيه عقله ، ولا يفتح له قلبه ..
أما حقيقة هذا الوجود ، فهو نظام محكم دقيق ، وتناغم منسجم رائع ، وتجاوب بين كل ذرة من ذراته ، وكل موجود من موجوداته .. (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ