وأما صميمها ، فليس له إليها سبيل مهما يبلغ علمه ، ومهما تكن معارفه .. إن له حدودا لا يتجاوزها ، وله مجالات لا يخرج عليها ، وهو فى هذه الحدود يعمل ، وفى هذه المجالات يتحرك ـ حسب تفكيره وتقديره ..
ثم مع هذا ، فإن الأشياء تتحرك حركتها المقدورة لها .. وهى حركات قد تتفق مع حركات الإنسان ، وقد لا تتفق ..
والشيء الذي ينبغى أن نؤكده ، هو أن العلم والمعرفة ، يكشفان للإنسان من حقائق الأشياء ، بقدر ما يحصّل الإنسان منهما .. فكلما ازداد علما ومعرفة اتسعت أمامه الآفاق التي ينظر فيها إلى هذا الوجود ، وتكشف له حقائق كثيرة كانت محجوبة عنه وراء هذه الآفاق التي أخفاها عنه الجهل ، وضآلة المعرفة ..
والذي نودّ أن نؤكده أيضا ، هو انه مهما بلغ الإنسان من العلم والمعرفة فلن يبلغ من العلم بحقائق هذا الوجود ، إلا قدرا ضئيلا ، لا يعدل حبّة رمل من هذا الكون العظيم .. والله سبحانه وتعالى يقول. (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥ : الإسراء).
* * *
وهنا نستطيع أن نحدد مكان الإنسان من القدر ، ونتعرف إلى المجال الذي يعمل فيه كل منهما : الإنسان والقدر ..
فالقدر هو «دولاب» ينتظم الوجود كله ، وتتحرك كل أجزائه ، حسب القوى التي أودعها الخالق جل وعلا فى كل موجود .. وكل موجود يتحرك حركته فى الاتجاه ، وفى المدى المقدور له .. وأقرب شبه لهذا ما نرى فى «دولاب» بخارى أو كهربىّ ، يدور يجميع أجهزته وأجزائه ، ثم إن جميع هذه الأجهزة ، وتلك الأجزاء ، مع اختلاف حركاتها تحقق آخر الأمر غاية واحدة ،