الأسباب والمسببات .. وما كان للفلسفة الحديثة أن تقرر غير هذا ، بعد هذا التقدم العلمىّ ، الذي أحرزه الإنسان فى كل مجال .. وليست القوانين التي استخدمها العلم فى كشف أسرار الطبيعة إلّا من نسيج الأسباب وتفاعلها .. فهذا الاطراد فى ظواهر الطبيعة ، هو الذي أتاح للعلماء وضع قوانين ثابتة لطبائع الأشياء ولما تحدثه الأسباب من احتكاك بها .. وبهذا أمكن تسخير قوى الأشياء بمقتضى هذه القوانين ، كما أمكن التنبؤ بما سيحدث قبل حدوثه ، اعتمادا على معرفتنا السابقة بخواصّ الأشياء ، وبالآثار التي تحدث عند تحريك أسبابها المودعة فيها.
وقد رأى الأشاعرة ـ وهم الذين يمثلون الرأى السّنيّ ـ أن لا تلازم بين الأسباب والمسببات ، ورفضوا أن يسلّموا بوجود أي قانون للطبيعة ، واستبعدوا البديهة القائلة : بأن الأسباب المتماثلة تولد نتائج متماثلة ..
وقد بنوا رأيهم هذا ، على أساس أن التلازم بين الأسباب والمسبباب ، فيه تحديد لقدرة الله على كل شىء ، إذ أن هذا التلازم يحدّ من قدرة الله ، ويجعل للأسباب قوة ملزمة لله ..
وهذا رأى لا نسلّم به ، ولا نرتضييه رأيا يراه المسلم حيث لا نرى فى التلازم بين الأسباب والمسببات ما يراه الأشاعرة ، من أن فى ذلك تحديدا لقدرة الله ..
فالله سبحانه وتعالى ، قد أقام الوجود على نظام ، وأجراه على سنن أودعها فيه .. كما يقول سبحانه : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٤٠ : يس) .. فإذا كان من نظام الكون الذي أوجده الخالق جل وعلا ، أن الشمس تطلع من الشرق ، وأن الأرض تدور