النار .. أخرجت ضوءا ، وأعطت دفئا ، وأحرقت ما يتصل بها من الأشياء التي أودع فيها الخالق من الأسباب ما يجعلها قابلة للاحتراق .. ففى كل شىء قدر ، أي أسباب ، وكيفيّات تنتج مسببات ، فإذا تلاقت تلك الأسباب المودعة فى الأشياء ، كانت قضاء.
فالمسببات التي تحدث من تلاقى الأسباب بعضها ببعض ، هى القضاء ، فإذا تلاقت الأسباب ، فتوافقت أو تدافعت فهى فى دائرة القدر .. أما ما يقع من هذا اللقاء بين الأسباب ـ فى توافقها أو تدافعها ـ من مسببات فهو القضاء .. فالقدر كون ، والقضاء ظهور!
الأسباب والمسببات :
اختلفت آراء المفكرين من الفلاسفة ، والفقهاء فى الصلة بين الأسباب ومسبباتها .. واتسعت شقّة الخلاف بينهم حتى بلغت درجة التضادّ.
فبينما ينكر بعضهم التلازم بين السبب والمسبب ، إذ يقرر بعضهم حتمية هذا التلازم ، وعدم تخلفه فى حال أبدا .. بل إن بعضهم تمادى فى هذا ، فجعل الأسباب قوّى عاملة ، تعمل فى وعى وبصيرة ، وذلك حين رأوها تعطى نتائجها دون أن تنحرف ، أو تضلّ .. وكان من هذا أن آمن كثير من هؤلاء ، بالطبيعة ، وعدّوها كائنا عاقلا .. يحمل فى كيانه مقوّمات وجوده ، مستغنيا عن مدبّر يدبّر أمره ، ويقوم عليه .. ولا شك أن هذه النظرة إلى الطبيعة وأسرارها ، هى نظرة محدودة ، قصرت عن أن ترى القدرة القادرة التي تربط عوالم الموجودات كلها برباط وثيق محكم ، بحيث تجعل منها كيانا واحدا ، يجرى لغاية واحدة ، فى حكمة ، ونظام .. (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (٣ : الملك).
هذا ، والفلسفة الحديثة تؤيد الرأى القائل بفاعلية الأسباب ، وبالترابط بين