الإنسان خارجا عن دائرة المؤثرات التي تجعل للقضاء والقدر شأنا معه ..
وإذا قلنا إن الإنسان مجبر ، كان معنى هذا أن شيئا ما وراء الإنسان ، يملى عليه ، ويؤثّر فى إرادته ، أو يعطل مشيئته ..
وهنا تبدو الصلة واضحة بين الإنسان وبين القضاء والقدر .. وهى صلة تظهر آثارها فى تصرفاته ، وفى موقفه حيال كل أمر يعرض له ..
ولكن هاتين المقولتين ، لم يسلّم العقل الإنسانى بأيّ منهما ، تسليما مطلقا .. إذ كان الواقع العملىّ ينقض كل مقولة منهما ، إذا أخذ بها على إطلاقها ..
فالإنسان ـ كما يبدو له ـ حرّ من جهة ، ومقيد من جهة أخرى .. إنه مطلق ، تماما ـ كما يبدو ـ ولكن يرى أن قوة خفية تأخذ عليه طريقه إلى ما يريد .. قوة غير منظورة ، تقيّد إرادته المطلقة تلك ..
فهو مختار يفعل ما يشاء ، وهو مجبر حيث يفعل أو يفعل به ما لا يشاء!
وبين الاختيار والجبر ، عاشت الإنسانية حائرة مضطربة ، قلقة .. تقول بالاختيار ، وتحلم به ، وتتمنّاه .. ولكن الواقع يفجؤها بما يلغى هذا الاختيار ، ويعطل وجوده .. وإذا هى أي الإنسانية ، ريشة فى مهب الريح ، يسوقها القدر إلى حيث يشاء ..
وتقول بالجبر ، فلا يصدّقها الواقع الذي تعيش فيه. والذي ترى صفحته فى آثار تفكيرها ، وثمار إرادتها ، وعزيمتها ..
فلا هى .. أي الإنسانية ، فى الاختيار المطلق ، ولا هى فى الجبر المطلق .. إنها تعيش متأرجحة بينهما .. هى فى اختيار وجبر معا .. ذلك ما يشعر به كل إنسان فى ذاته ، وتشعر به الإنسانية فى مجموعها .. وذلك من الجلاء والوضوح ، بحيث لا ينكره إلا أهل الجدل والمراء!!