بل يأخذها كما هى .. إنها اعتراض ولا شك ، وإنها خروج على الشرط الذي اشترطه على صاحبه : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً)! وهنا يسمعها موسى منه .. حكما قاطعا : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ)!.
فقد بلغ الأمر بينهما غايته ، ولم يعد ثمة أمل فى أن يلتقيا على طريق واحد ..
ولكن .. لم كان هذا العناء الذي عاناه موسى ، حتى التقى بهذا الرجل الذي قيل له إنه سيجد عنده من العلم ما لم يجده عند غيره؟ فأين هو هذا العلم؟ إن يكن ما حصّله موسى من تلك التجربة ، هو هذا الذي وقع فى نفسه من أحداثها .. فما أغناه عن هذا العلم ، الذي بلبل خاطره ، وشتت مجتمع رأيه ، وألقى فيه ما ألقى من وساوس وظنون!
وإنه ما يكاد موسى يستمع إلى شىء من هذه الخواطر ، حتى يطلع عليه صاحبه بقوله :
* (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)!
أهكذا الأمر إذن؟
أهناك نبأ وراء هذه الأحداث ، غير ما يحدّث به ظاهرها؟ وماذا عسى أن يكون هذا النبأ؟
وإنه لنبأ عظيم! سنرى فيما ينكشف منه علاجا لقضية من أعقد القضايا التي واجهها العقل الإنسانى ، وهى مشكلة «القضاء والقدر» .. التي نرجو أن نعرض لها ـ إن شاء الله ـ بعد أن نرى تأويل العبد الصالح لموسى (ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).