وأنه يظهر لبعض الناس ويتحدث إليهم .. فذلك كلّه من وراء ما تحدث به آيات القرآن الكريم.
وهذا اللقاء الذي وقع بين موسى والعبد الصالح لم يدم طويلا ، ولم تجر فيه بينهما إلا أحداث ثلاثة ، أوقعت بينهما خلافا حادّا ، ثم انتهت بفراق ..
ويبدأ اللقاء بين العبدين الصالحين ، بأن يعرض موسى على صاحبه أن يقبله تابعا له ، يتعلم من علمه ، ويغترف من بحره .. وذلك فى تواضع كريم وأدب نبوىّ عظيم .. فيقول :
* (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟).
وفى هذا العرض أمور :
١ ـ استئذان مصحوب برجاء ، وتلطّف ..
٢ ـ أن يكون موسى تابعا يقفو أثر متبوعه ، ويمشى فى ظله.
٣ ـ أن تكون غاية هذه الصحبة ، وتلك المتابعة ، تحصيل العلم والمعرفة ، فيفيد موسى علما ، وينال العبد الصالح أجرا.
٤ ـ هذا العلم الذي عند العبد الصالح ليس من ذات نفسه ، بل هو علم علّمه ، وإذن فهو مطالب بأن يعلّم كما علّم ..
٥ ـ هذا العلم المطلوب تعلّمه ، هو مما يكمل به الإنسان ويرشد .. فهو علم يهدى إلى الحق ، وإلى الرشاد ، لا إلى الضلال والفساد.
ويستمع العبد الصالح إلى هذا العرض من موسى ، فيرى أن العلم الذي عنده ، والذي يطلب موسى تناول شىء منه ، هو علم لا يستسيغه عقله ، ولا يقبله منطقه ، فيقول له فى وداعة ولطف :
* (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)؟