ـ ففى هذا الدعاء : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ) فى هذا الدعاء أكثر من ظاهرة.
فأولا : مضمون الدعاء .. فهو فى كلمات قليلة ، قد جمع فيها ما تفرق من صور الدّعاء ، فى مقام الولاء لله ، وإخلاص العبادة والعبودية لله .. فهو حمد لله ، وقصر هذا الحمد عليه وحده ، إذ هو إقرار بأن الله سبحانه المتفرد بالكمال ، والمنزّه عن النقص ، فلا حاجة له إلى ولد يؤنس وحشته ، ويتخذ منه سندا وعضدا ، ولا منازع له ، ولا شريك معه فى هذا الوجود ، ولا معين له فى القيام على هذا الوجود ، والإمساك بنظامه الحافظ له .. فحيث نظر ناظر ، فرأى قوة لقوىّ ، أو عظمة لعظيم ، أو سلطانا لذى سلطان ، أو غنى لذى غنى .. أو ما شاكل ذلك مما يكبر فى صدور الناس ـ فالله سبحانه وتعالى له القوة كلها ، وله العظمة جميعها ، وله السلطان المطلق ، وله الغنى الشامل ، وله الكمال فى كل شىء ، وإليه أمر كل شىء .. وهذا هو بعض السرّ فى أن ختم هذا الدعاء بقوله تعالى : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) .. أي قل : الله أكبر ، الله أكبر .. تكبيرا مطلقا ، من غير مقايسة أو مفاضلة .. الكبير فى كل مقام .. فهو ـ سبحانه ـ الكبير المتعال ، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.
وثانيا : الكلمات التي ختم بها هذا الدعاء ، قد انتظمت صورتها من حروف ، من شأنها أن تمسك من ينطق بها على حال بين الجهر والتخافت ، حتى دون أن يكون ذلك عن قصد منه.
بل إن الأمر لأكثر من هذا ، فلو ذهب من يتلو هذه الكلمات أن يجهر بها إلى حيث يبلغ صوته من العلوّ ، لأسكت به عند طبقة معينة من الأداء الصوتى ، لا يستطيع أن يرتفع فوقه ، وذلك لخلوّها من أي حرف من حروف المدّ .. وهى الواو ، والألف ، والياء .. الأمر الذي يحجز الصوت عن أن يذهب مذهبا فوق حدود الاعتدال ..