قوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً).
والواو فى قوله تعالى : (وَقُرْآناً) هى واو العطف ، وما بعدها معطوف على الآية قبلها .. لتثبت وصفا آخر للقرآن .. فكما أنه نزل بالحق ، وبالحق استقرّ وثبت ، ولم يلحقه تبديل أو تحريف ـ هو كذلك نزل قرآنا منجّما ، ولم ينزل مرة واحدة.
وفى تنكير (قُرْآناً) تنويه به ، ورفع لقدمه ، وأنه لتفرده بهذا الوصف ، مستغن عن كل تعريف .. إذ كان هو وحده المستأهل لأن يقرأ ، وأن يؤثر بالقراءة من كل قارئ.
و «فرقناه» أي نزلناه مفرّقا ، ولم ينزل كلّا واحدا ، كما نزلت الكتب قبله .. وأصله من الفرق ، وهو الفصل بين الشيئين ، كما يقول سبحانه وتعالى : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٦٣ : الشعراء) أي أن موسى حين ضرب البحر بعصاه انفلق ، وانشق ، فكان كل فرق ، أي جانب ، كالجبل العظيم وقد قرىء «فرّقناه» بتشديد الراء .. وهذا يؤيد المعنى الذي أشرنا إليه كما يؤيده قوله تعالى بعد ذلك : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) .. فهذا تعليل للسبب الذي من أجله أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن على مكث ، أي على زمن متطاول ، فنزل منجّما ، أي مفرّقا فى نحو ثلاث وعشرين سنة .. وذلك ليعيش النبىّ والمؤمنون معه ، على هذا الزاد الكريم ، المختلف الألوان ، والطعوم ، طوال تلك المدّة التي كان القرآن يتنزل فيها ، وهم يرصدون مطلع كلّ آية ، ويشهدون بزوغ كل كلمة .. وبهذا ظل النبي والمؤمنون معه خلال هذه السنين الثلاث والعشرين فى مقام الانتظار لهذا الضيف العظيم ، تطلع عليهم مواكبه موكبا ، موكبا ، وتلقاهم أضواؤه ، شعاعة شعاعة ، حتى إذا كان