(٩ : الحجر) فالقرآن محفوظ بقدرة الله من أن تمتد إليه يد التحريف والتبديل .. فهو نعمة تامّة ، أنعم الله بها سبحانه وتعالى على هذه الأمة ، لتكون منار هدى ورحمة للناس إلى يوم الدّين. أما الكتب السماوية السابقة ، فهى نعم من عند الله ، ابتلى بها من أنعم الله عليهم بها ، وشأنها فى هذا شأن كل نعم الله ، يخلى الله سبحانه وتعالى بينها وبين أهلها ، إن شاءوا حفظوها ، وإن شاءوا ضيعوها ..
ولهذا ، فقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الكتب ، أمانة فى يد القائمين عليها من أحبار ورهبان .. وهذا ما يشير اليه قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) (٤٤ : المائدة) فهم الموكّلون بحفظ كتبهم التي هى أمانة فى أيديهم .. فإن شاءوا حفظوها ، وإن شاءوا ضيعوها ، شأنهم فى هذا شأنهم فى كل أمانة يؤتمن الناس عليها .. وقد ضيع أهل الكتاب هذه الأمانة ، فلم يرعوها حقّ رعايتها ، بل مكروا بآيات الله ، فغيّروا وبدّلوا ، وألقوا بأهوائهم فيها .. على هذه الصورة الشائهة التي فى أيديهم ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) إشارة إلى أن مهمّة النبىّ هى إبلاغ هذا الكتاب ، والتبشير بما يحمل إلى الذين يؤمنون به من رضوان الله ، وثوابه العظيم لهم ، فى الدنيا والآخرة ، والإنذار بما يحمل إلى المكذبين ، من وعيد بالبلاء والنقمة وسوء المنقلب.! تلك هى وظيفة النبي مع هذا الكتاب الذي أنزله الله عليه .. أما حفظه ، فقد تولّاه الله سبحانه وتعالى. فليفرغ النبىّ جهده كلّه ، إلى إبلاغه للناس!