والاستخفاف إنما هو بالإضافة إلى أبناء آدم .. فإبليس بما معه من كيد ومكر ، هو مدحور مخذول أمام الإرادة الصادقة ، والعزم الوثيق ، فهو أضعف من الإنسان ، الذي يعرف قدر إنسانيته ، ويحترم وجوده كإنسان كرّمه الله ، ورفع بين العالمين قدره .. والله سبحانه وتعالى يقول بعد هذا : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٧٠ : الإسراء) : ويقول عن الشيطان : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٧٦ : النساء).
فليعلن الشيطان الحرب على أبناء آدم ، وليأت بكل ما معه من عدد وعدّة .. وليجلب بخيله ورجله ، وليشاركهم فى أموالهم وأولادهم ، وذلك بما يفسد عليهم من أموال وبنين .. ثم إذا لم يجد فى ذلك ما يمكنه منهم ، فليأتهم متلطفا ، متودّدا ، بعد أن جاءهم مهددا ، متوعدا ، مفسدا .. وليمدّ لهم فى حبل الأمانىّ ، وليكثر لهم من الوعود المعسولة الكاذبة .. فذلك كلّه لن يبلّغه شيئا من أبناء آدم الذين جعلهم الله من أهل طاعته ، وأرادهم لجنته ، كما يقول سبحانه وتعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) فهؤلاء هم أبناء آدم ، ليس لإبليس سلطان عليهم ، إلا من كان من أهل الشّقوة والضلال .. فهؤلاء ـ بما سبق فيهم من قضاء الله ـ هم مستجيبون للشيطان موالون له .. إذ كانت أهواؤهم متفقة مع هواه ، ووجهتهم قائمة على وجهته .. إنهم ، وهو ، من أهل الشقاء والبلاء.
ـ وفى قوله تعالى : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) تحذير من الشيطان ، وأمانيه ومغرياته التي يمنّى بها الناس ، ويغريهم بها ، فما هى إلا ضلال فى ضلال ، وأباطيل لا تجىء إلا بالأباطيل!
وتحذير الناس من الشيطان ومغرياته ، وإن كان لا يردّ شيئا مما قضى به الله