ـ وقوله تعالى : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) هو بيان للدوافع التي تدفع المؤمنين إلى دعاء الله سبحانه ، وإلى ابتغاء الوسيلة إليه ، وهو الطمع فى رحمته ، والخوف من عذابه .. وتلك هى الحال التي ينبغى أن تقوم عليها الصلة بين العبد وربّه وهى منزلة بين الرجاء والخوف .. فالرجاء يدفع المؤمن إلى الإحسان ، والتزام الطاعات .. والخوف ، بحرسه من العدوان على محارم الله ، ومواقعة الآثام والمعاصي.
ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) تعقيب على قوله سبحانه : (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) .. وهو أن هذا العذاب شديد ، حيث يقع بأهله ، لا يدفعه عنهم من الله دافع ، وهو لهوله وشدته ، يحذره ويتوقى الدنوّ منه ، كلّ من يطلب الأمن والعافية لنفسه.
ولم يأت فى النظم القرآنى تعقيب على قوله تعالى : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) كما جاء التعقيب على قوله سبحانه : (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) .. لأن أكثر ما يؤتى النّاس من استخفافهم بعذاب الله ، أو غفلتهم عنه .. أمّا الرجاء فى مغفرته ورحمته .. فالناس جميعا واقفون على باب الرجاء ، حتى أن أكثرهم عصيانا لله ، ومحدّة له يتخذون من الطمع فى رحمة الله ، مدخلا يدخلون به على المعاصي فى جرأة فاجرة ، حتى ليقول صاحب الجنتين الذي كفر بربّه : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) (٣٦ : الكهف) .. وهذا مكر مع الله ، وتغرير بالنفس .. إن من يرجو ويطمع فى رحمته ، يجب أن يكون ممن يخشاه ، ويتوقّى محارمه .. فإذا زلّ ، كان طمعه فى الله قائما على منطق .. والله سبحانه وتعالى يقول : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) .. (٥٦ : الأعراف)
هذا ، وفى الآية الكريمة وجه آخر ..
وهو أن المشار إليه فى قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) هم المعبودون