فيها الله سبحانه ، ويشكر له .. إذ أن هذا الملك الذي فى يده يحتاج ـ كى يستقيم على ميزان الحق والعدل ـ إلى اتصال دائم بالله ، حتى يدفع بهذا الاتصال ما يعرض له من شهوة السلطان ، ومغريات الملك ..
وعلى هذا ، فاختصاص «داود» بالذكر هنا ، إنما هو لبيان أن التفاضل الذي يقوم بين الموجودات كلها ، هو قائم بين الأنبياء والرسل .. فمنهم من جعله الله سبحانه نبيا ورسولا ، ومنهم من جعله نبيا ولا رسالة له ، إلا فى خاصة نفسه وأهله ، ومنهم من جعله رسولا إلى قرية ، أو أمة ، ومنهم من جعله رسولا إلى الناس كافة ، وذلك هو مما اختص به «محمد» ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من بين رسل الله جميعا .. وفى ذلك يقول الله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ .. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (٢٥٣ : البقرة) وداود ـ عليهالسلام ـ قد جمع له حظ الدنيا والآخرة جميعا .. فهو ملك ليس خالص الملك ، إذ يقوم على ملكه سلطان النبوة ، وهو نبىّ غير خالص النبوّة ، إذ يقوم على سلطان نبوته سلطان ملكه .. فهو نمط وحده بين أنبياء الله ، وفى ملوك الأرض.
قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) ..
هو تهديد للمشركين ، ووعيد لهم ، وتسفيه لعقولهم ، إذ يعبدون من دون الله مالا يملك لهم ضرّا ولا نفعا .. فهاهم أولاء وتلك هى معبوداتهم التي يعبدونها ، فليدعوها لضرّ مسّهم ، أو لبلاء وقع بهم ، فهل تستجيب لهم آلهتهم تلك؟ وهل يسمعون أو يعقلون؟ فكيف إذن يتعاملون مع من لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنهم شيئا؟ ولكنه السّفه والضلال.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ