فإذا كانت الدعوة إلى الأخذ بالصبر على سبيل التخيير فى جانب المسلمين عامة فإنها فى جانب النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أمر وإلزام.
وقد اختص النبىّ الكريم بالدعوة إلى الأخذ بالصبر وحده ، دون أن يعاقب بمثل ما عوقب به ـ لأن ذلك مقام لا يحتمله إلا قلة قليلة من الناس ، على رأسهم أنبياء الله ورسله .. ولهذا جاء أمر الله خاصة إلى النبىّ الكريم : (وَاصْبِرْ) .. ولم يجىء هكذا : «واصبروا» وإن كان هذا لا يمنع من أن يتأسّى المسلمون بالنبيّ فى هذا .. فهو قدوة المسلمين فى كل ما هو كمال ، وخير ، وإحسان ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) .. هو تطمين للنبىّ الكريم ، وتثبيت لفؤاده على التزام الصبر ، وإيناس له من وحشة هذا العبء الثقيل الملقى عليه ، إذ أنه سيتلقى المدد والعون من الله ، وأن هذا الصبر الذي يدعى إليه ، إنما هو صبر عظيم ، لا تحتمله النفوس إلا بالاستعانة عليه بالله .. والله سبحانه وتعالى معينه وممدّه بألطافه.
وفى إضافة الصبر إلى النبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «وما صبرك إلا بالله» ـ إشارة إلى أنه صبر من طبقة عالية ، لا ينالها إلا النبىّ الكريم ، المؤيد من الله ، والمزوّد منه سبحانه بالقوة والعزم على احتمال هذا النموذج الفريد من الصبر .. فهو صبر ذو صفة خاصة .. هو صبر النبىّ صلوات الله وسلامه عليه ..
وقوله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ـ هو عزء للنبىّ الكريم ، فيما كان يجد فى نفسه من حزن وأسّى على قومه الذين غلبت عليهم شقوتهم فماتوا على الكفر ، حتف أنوفهم ، أو فى ميدان القتال بأيدى المسلمين ..
ـ وقوله تعالى : (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) .. هو مواساة للنبىّ ، وتخفيف لما يقع فى نفسه من ألم ، إذ يرميه قومه بالضرّ والأذى ، ويبيّتون له