مجادلا ، فذلك من شأنه أن يعمّى على الحق ، وأن يسدّ المنافذ الموصلة إليه ، وإنما على الرسول أن يلقى جدال المجادلين بالحسنى ، وأن يصرفهم عن هذا الجدل العقيم ، إلى ما هو أجدى وأنفع لهم ..
وقد أرى الله سبحانه وتعالى النبىّ المثل الأمثل فيما يلقى به المجادلين ، حين أجاب سبحانه وتعالى عن سؤال إلى المشركين عن الأهلة ، فقال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ .. قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (١٨٩ : البقرة) ففى هذا الجواب الحكيم ، دعوة للمشركين أن ينصرفوا عن هذا الجدل العقيم حول الأهلة ، وكيف تبدو صغيرة ، ثم تكبر ، ثم تعود صغيرة ـ إلى ما فى هذه الأهلة ، ودورتها ، من آثار يتعرفون بها المواقيت لأمور الدين والدنيا جميعا ..
ذلك هو الجدل بالتي هى أحسن وأقوم .. وعلى هذا المنهج ينبغى أن يكون جدل النبىّ ، فى كل موقف يكون بينه وبين المشركين أو الكافرين ، جدال ..
وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ـ هو تهديد لأولئك الذين يجادلون بغير علم ، ولغير غاية ، إلا المراء والإعنات .. فالله أعلم بهؤلاء الضالين عن سبيله ، لا يجتمعون مع المهتدين ، ولا ينزلون منازلهم ، بل يعزلون عنهم ، ويلقى بهم فى عذاب السعير.
قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) .. قيل إن هذه الآية والآيتين اللتين بعدها نزلت بالمدينة ، بعد غزوة أحد ، ولهذا حسبت الآيات الثلاث من القرآن المدني ، على حين أن السورة كلها ـ فيما عدا هذه الآيات الثلاث ـ مكية ..