وكان إبراهيم مع إيمانه بالله قانتا ، أي خاشعا لله ، مسلما أمره له .. وكان «حنيفا» أي مائلا عن طرق الضلال والكفر .. (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي لم يشرك بالله أبدا ، ولم تستجب فطرته لأن يعبد ما كان يعبد أبوه وقومه ، فنشأ مجانبا لهذه الضلالات ، عازفا عنها.
وفى وصف إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بأنه كان «حنيفا» ـ إشارة إلى أن المجتمع الذي كان يعيش فيه إبراهيم كان مجتمعا يسير على طرق الكفر والشرك ، حتى لكأن ذلك هو وجهة الحياة فى زمنه ، وحتى لكأن الخروج على هذه الوجهة ، يعدّ ميلا وانحرافا .. وهذا مما يعظم من شأن إبراهيم ، ويرفع قدره فى العالمين ، بين أتباع الحق ، وأهل الإيمان .. فقد خرج إبراهيم بإيمانه عن هذا الإجماع المطلق ، وشق لنفسه ثقبا فى هذا الحائط الصفيق ، المضروب حوله من الكفر ، ونفذ إلى عالم النور! ولهذا استحق إبراهيم بأن يوصف هذا الوصف الكريم من ربه ، بأن كان حنيفا .. والحنيف هو المائل .. ولكنه هنا ميل إلى الحق والهدى والإيمان .. ولهذا أيضا اختصّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بهذا الوصف دون سائر الأنبياء .. إذ كان أمة وحده.
ـ وفى قوله تعالى : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريض بالمشركين من أهل مكة ، إذ كانوا يدّعون أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم .. فكيف يكونون على شريعته ، وهم مشركون ، وهو الحنيف ، الذي لم يكن فى يوم من أيامه من المشركين؟
وقوله تعالى : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .. هو معطوف على خبر كان فى قوله تعالى : (كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ..) أي وكان شاكرا لأنعم ربه ، إذ اجتباه ربه ، أي اصطفاه لرسالته ، وأخرجه من عالم الكفر المتكاثف حوله ، وهداه إلى الحق ، والخير ، والإيمان ..