ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
فالدعوة هنا إلى الرجوع إلى الله ، دعوة عامة إلى كل شارد عنه ، مسوق بهواه ، محمول على مطية حميته ، وعناده.
وفى العطف «بثم» فى الموضعين هنا ، إشارة إلى هذا البعد البعيد ، الذي ينتقل به الإنسان من حال إلى حال ..
فالذين عملوا السوء بجهالة ، ثم كانت لهم إلى أنفسهم عودة ، وكان لهم معها حساب .. هم على حال مباينة بونا شاسعا ، لأولئك الذين يعملون السوء ، ثم لا يقع فى أنفسهم ما بسوؤهم منه ، ولا تمس ضمائرهم نخسة من آثاره .. فالأولون لا بد أن تكون لهم إلى الله رجعة ، وقليل منهم من يمضى على طريق السوء الذي هو فيه إلى آخره .. والآخرون هيهات أن يراجعوا أنفسهم ، ويرجعوا إلى ربهم .. وقليل منهم من يفعل. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١٧ : النساء) .. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٣٥ : آل عمران)
والذين انتقلوا من حال المراجعة مع أنفسهم إلى حال التوبة وإصلاح ما أفسدوا ، هم فى حالهم الثانية على بعد بعيد من حالهم الأولى .. ولهذا جاء العطف «بثم» فى قوله تعالى: (ثُمَّ تابُوا).
والضمير فى قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِها) يعود إلى التوبة ، المفهومة من قوله تعالى (تابُوا) .. وهذا يعنى أن المغفرة والرحمة من الله تجىء بعد التوبة من الذنب ، لا قبلها ..