بِما كانُوا يَفْتَرُونَ* وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١٣٨ ـ ١٣٩ : الأنعام) .. فجاء اليهود إلى المشركين يكذبون النبي فيما يقول لهم عن ربه فى هذه المطاعم ، فرمى الله اليهود بهذا الخزي الذي حملته إليهم الآية الكريمة : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ...) .. فهذا الذي حرمه الله سبحانه وتعالى على اليهود فى تلك الآية هو ، ما أشارت إليه الآية : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) .. وهذا يقطع بأن آية الأنعام قد سبقت آية النحل نزولا ..
قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) .. هو دعوة كريمة من رب كريم ، إلى الضالين عن سبيله ، والشاردين عن الحق الذي يدعو إليه رسوله ، أن يرجعوا إلى الله من قريب ، وأن يتوبوا إليه ، ويصلحوا من أنفسهم ما أفسدوا .. فإن فعلوا ، وجدوا ربّا غفورا رحيما ، يغفر لهم ما كان منهم ، ويدخلهم فى عباده المؤمنين ..
ـ والجهالة فى قوله تعالى : (عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) ليس المراد بها الجهل بالشيء ، والوقوع فى الإثم عن جهل بأنه إثم .. فهذا من المعفوّ عنه ابتداء ، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) (١١٥ : التوبة).
وإنما المراد بالجهالة هنا ، ما يركب المرء من نوازع الحمية والعصبية ، وما يستولى عليه من حماقات الكبر والعناد .. وهذا هو أكثر ما يحمل الناس على معاندة الحق ، ومعاداته ، ويدعوهم إلى إتيان المنكرات ، وركوب الضلالات وإلى هذا المعنى للجهالة ، يشير الشاعر الجاهلى ، عمرو بن كلثوم بقوله :