المجتمع الإسلامى فى مؤخرة العالم الإنسانىّ ـ هو نتيجة لازمة لانفصالنا عن هذا الدستور السماوي ، الذي أمرنا الله باتباعه ، ووعدنا الحياة الطيبة الكريمة فى ظله .. ففى كتاب الله مفاتح العلم كلّها ، بما يفتح من بصائر ، وما يشرح من صدور ، وما يعمر من قلوب ، وما يشيع فى النفوس من سلام ، ورضى وطمأنينة ، وبهذا يقف الإنسان من هذا الكون وقفة خبير بصير ، وينظر إليه نظرة متوسّم دارس ، يربط المسببات بالأسباب ، ويصل المعلولات بالعلل ، فإذا هذا الوجود وحدة متماسكة متناعمة ، يجتمع قريبها إلى بعيدها ، ويلتقى علوها مع سفلها ، بيد القدرة القدرة ، وتدبير الحكمة العالية .. (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ* الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)!
والنظر الذي يدعو إليه القرآن الكريم ، ويوجهه إلى هذا الوجود ، ليس نظرا حالما مستسلما لتلك المشاعر الغافية ، التي تهدهدها نغمات الجمال والانسجام التي تنجلى فى صفحة الكون ، فذلك نظر سلبى لا يغنى من الحقّ شيئا .. إنه أشبه بأحلام اليقظة ، وخيالات الشعراء .. وإنما الذي يدعو إليه القرآن الكريم ، هو النظر اليقظ الجادّ ، الباحث عن الحقيقة ، فى أعماق الأشياء ، وإن صحبه فى ذلك ما يصحبه من مشاعر الجمال والجلال ، فذلك هو الذي يشوقه إلى الحقيقة ، ويغريه بالبحث عنها والتعامل معها ، فيكون له من تلك المشاعر قوىّ تعينه على البحث والدرس ، وتخفف عنه معاناة التأمل والتخيل .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ