إن القرآن الكريم ، لم يكن كتابا قد جاء بمقررات علمية ، تشرح حقائق العلوم ، وتكشف أسرار الوجود ، وتضع فى أيدى الناس مفاتح هذه الأسرار. ولو كان هذا من تدبير القرآن ، ومن غاياته ، لما جاء على هذا الأسلوب ذى الرنين النفاذ والإشعاع اللماح من النظم ، بل لجرى على ذلك الأسلوب العلمىّ ، الذي تبرز فيه الحقائق العلمية مضغوطة فى قوالب من اللفظ ، أشبه بالأرقام الحسابية ، التي لا يختلف عليها أحد ، ولا تكتم عن أحد شيئا وراءها ..
ولو كان ذلك من شأن القرآن ، لما كان معجزة الدهر الخالدة ، ولأخذ الناس منه كل ما فيه ، لأول عهدهم به ، ثم لم يطلعوا إلى جديد غيره ، شأن الكتب العلمية ، التي تعيش فى الناس زمنا ، ثم لا يكادون يلتفتون إليها بعد هذا.
ولو كان ذلك من شأن القرآن أيضا لكان ذلك داعية من دواعى التخدير العقلي للإنسان ، والتحريض له على الاستنامة فى ظل هذا الغذاء الممدود له على مائدة مهيأة ، لم يعمل لها ، ولم يسع إليها .. الأمر الذي يقطع الصلة التي أراد القرآن أن يقيمها بين أتباعه وبين هذا الوجود أبد الدهر ، ينظرون فيه نظرا مجددا ، ويطالعون فى صحفه آيات الله وكلماته التي لا تنفد أبدا ..
إنه ليس هذا من شأن القرآن أبدا ، ولا من تدبيره بحال .. فإن دعوة القرآن ، هى إيقاظ مشاعر الإنسان ، وتنبيه ملكاته ، وتوجيه نوازعه وسلوكه إلى العمل فى طريق مستنير ، واضح ، مستقيم ..
ومن هنا كانت آيات القرآن الكريم متجهة إلى القلب أولا .. إلى المشاعر ، والوجدانات ، والأحاسيس المائجة فيه ، المتقلبة بين صفو وكدر ، وبين نور وظلام ، فإذا أصابها قبس من نور الحق الذي نزل به القرآن ، سكن مائجها ، وصفا