«وأما فواتح السور ، فقد تكلم الناس فيها بما يقتضى أن للعرب بها عهدا ، كعدد الجمّل الذي تعرفوه من أهل الكتاب ، حسب ما ذكره أصحاب السير ، أو هى المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى ، وغير ذلك ، وأما تفسيرها بما لا عهد به ، فلا يكون»(١).
هذا ما يقرره الإمام الشاطبي فى جلاء لا يحتاج إلى تعقيب!
والذي يمكن أن نقوله ، هو أن القرآن الكريم هو مادة العلم ، ومائدة العلماء ، وأنه مادة لا تنفد أبدا بالأخذ منها ، بل تزداد على الأخذ وتعظم ، وأنه مائدة تسع الناس جميعا ، وتعذّى عقولهم ، ومشاعرهم ، غداء طيّبا مشبعا ، على اختلاف مداركهم ، وتباين مشاعرهم ..
وإن العلم هو الذي يجعل لنا نظرا كاشفا لبعض ما فى آيات القرآن الكريم من روائع وعجائب ، وإن العلم هو الذي يعين على فهم المستور من أسرار الكتاب الكريم ، وما أودع فيه من علم وحكمة ..
إن العلم ليلتقى مع القرآن الكريم لقاء الماء يدفع به السيل فى صدر المحيط ، فيذوب فيه ، ويصبح بعض مائه ، إذ ليس العلم كله ـ ما عرف الناس منه وما سيعرفون ـ إلا قطرة أو قطرات من محيط هذا البحر الزخار ..
(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١٠٩ : الكهف).
فإذا انكشف للناس فى الحياة ضوءة من أضواء العلم ، فهى بعض ما فى القرآن الكريم من علم ، إذ كان مجتمع آيات الله ومكنون علمه.
هذا ، ومع قولنا بأن القرآن الكريم ، قد حملت آياته المطهرة ، أسرارا
__________________
(١) الموافقات للشاطبى : الجزء الأول : ص ٨١.