ونظروا إليه بعيون حولاء ، تذهب بآياته وكلماته مذاهب مختلطة إلى مقررات العلوم والفنون ، فتخرّجها عليها وتلوى زمامها نحوها .. وقد انفتح هذا الباب على مصراعيه ، فدخل منه كثير من أهل الأهواء والبدع ، يتأولون كلمات الله وآياته تأويلات فاسدة يدّعونها على القرآن ، ويقولون إنها من علوم الباطن التي احتواها كتاب الله واشتمل عليها ، والتي لا يعلم علمها إلا الراسخون فى العلم! فكان ذلك مدّعى يدعيه كلّ ذى هوى يريد أن يدعم مذهبا فاسدا ، أو ينتصر لفرقة مارقة .. وكان من ذلك ما رأيناه فى تلك الفرق المنحرفة من فرق الشيعة والخوارج وإخوان الصفاء ، وغيرهم ممن تأولوا كلمات الله ، وصرفوا منطوق ألفاظها على غير ما وضعت له فى اللسان العربي ، الذي جاء عليه القرآن الكريم ..
يقول الإمام الشاطبي : «إن كثيرا من الناس ، تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحدّ ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين .. من علوم الطبيعيات ، والتعاليم ـ أي العلوم الرياضية ـ والمنطق ، وعلم الحروف ـ اليازرجة ـ وجميع ما نظر فيه الناظرون ، من هذه الفنون وأشباهها ..
ثم يقول : «وربما استدلّوا على دعواهم بقوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) .. وقوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) .. ونحو ذلك .. وبفواتح السور ـ وهى ما لم يعهد عند العرب ـ وبما نقل عن الناس فيها ، وربّما حكى ذلك عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، وغيره ـ أشياء ..!
«فأما الآيات .. فالمراد بها عند المفسّرين ، ما يتعلق بحال التكاليف والتعبّد ، أو المراد بالكتاب فى قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) : اللوح المحفوظ ، ولم يذكروا فيها ـ أي التفاسير ـ ما يقتضى تضمنه ـ أي القرآن ـ لجميع العلوم النقلية والعقلية.