أو تدبير ، بل هو أشبه بجهاز عامل فى كيان النحل ، أو قل هو الجهاز العامل فى كيانه ..
ـ وفى قوله تعالى : (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً) المراد بالسبل هنا ما فى كيان النحل من غرائز فطرية ، هى التي تحكم حياته ، وتضبط سلوكه.
والأمر الموجه إلى النحل بأن يسلك سبل ربه ذللا ، هو إذن من الخالق جلّ وعلا ، للنحل أن ينطلق على طبيعته ، وأن يسير على ما توجهه إليه غريزته ، حيث لا تتصادم هذه الغريزة ، بشىء غريب يدخل عليها من إرادة أو تفكير .. فالسبل التي تسلكها النحل فى بناء بيوتها ، وفى تناول طعامها ، وفى الشراب الذي تخرجه من بطونها .. كل ذلك يجرى على سنن مستقيم لا ينحرف أبدا ، ويسير فى طريق مذلل معبّد .. هو طريق الله ، وهو فطرة الله.
وقد عاد الضمير على النحل بلفظ المفرد المؤنث : (اتَّخِذِي ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ .. فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ .. يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) مع أن «النحل» اسم جمع مذكر ، وذلك أن المراد بالنحل هو «جماعة النحل» أو النحل فى جماعته ، من حيث كان النحل من الكائنات الحية التي لا تعيش إلا فى نظام جماعى ، تتألف منه وحدة منتظمة ، أشبه بالوحدات الإنسانية ، فى أرقى المجتمعات ، حيث تتوزع أعمال الجماعة على أفرادها ، وحيث يؤدى كل فرد ما هو مطلوب منه فى غير فتور أو تمرد ..
ومن حصيلة العمل الذي تعمله هذه الجماعة ، ويشارك فيه ذكورها وإناثها ، وجنودها وعمالها ، والملكة ورعيتها ـ من هذه الحصيلة يتكون الشراب المختلف الألوان ، الذي فيه شفاء للناس.
ـ وقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) ـ