فى حال الأنهار والسبل ، ليكون ذلك فى مواجهة من عندهم الأنهار والسبل .. وكانت الغيبة فى حال النجم ، ليكون ذلك حديثا عاما للناس جميعا غائبهم وحاضرهم .. ذلك أنه إذا كان الغائبون يهتدون بها ، فأولى أن يهتدى بها المخاطبون .. ومن ثمّ فلا داعى لذكرهم ، إذ هم مذكورون من باب أولى ..
وثانيا : الأنهار والسبل ، لا يهتدى بها إلا كلّ من أعمل عقله ، وأجهد تفكيره ، وأحسن التدبير ، وإلا ضلّ الطريق .. فركوب الأنهار ، والطرق يحتاج إلى فطنة وذكاء ، وإلى جمع خاطر ، وحضور فكر .. ومن هنا كان مقتضى الحال أن ينبه إلى ذلك بهذا الخطاب .. أما النجم فهو علامة ظاهرة ثابتة ، لا تتبدّل ولا تتحول .. وما هى إلا نظرة يلقيها الناظر إليه ، حتى يكون على علم بوجهته التي يريد أخذها .. ومن ثمّ لم يكن ما يدعو إلى استحضار من يهتدون به ..
هذا وقد أفرد «النجم» هنا ، لأن النجم الذي يهتدى به فى التعرف إلى الجهات هو نجم واحد ، وهو النجم القطبي .. وهذا لا يمنع من أن يكون هناك نجوم أخرى يهتدى بها السائرون فى الليل ، ولكنها ليست نجوما ثوابت ، كالنجم القطبي .. فبعض النجوم تظهر صيفا ، وبعضها شتاء.
أما النجم القطبي فهو ظاهر أبدا ، وفى مكان ثابت دائما .. ومن أجل هذا اختص «النجم» بالذكر هنا ، حيث كان فى سياق تعداد نعم الله ، فيما هيأ سبحانه للناس من معالم للتعرف بها على مسالك الجهات والبلاد .. ولم يكن للنجم هذا الاختصاص ، حين كانت الإشارة إلى هذه النعمة إشارة عامة فى سياق نعم أخرى ، فذكر مع غيره من النجوم فى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٩٧ : الأنعام).