الإنسان إليها بذاته ، دون أن يكون نظره من وراء نظر الآخرين ، أو معهم ، وذلك ليشهد بنفسه بعض مظاهر قدرة الله وحكمته ، فى هذه الفلك التي تمخر عباب الماء ، محمولة على ظهره بأثقالها ، وما عليها من إنسان ، ومتاع .. على حين أنك لو ألقيت فى هذا الماء حصاة لهوت إلى القاع!
فكيف بهذا الماء ، يحمل هذه السفن التي كالجبال على ظهره ، دون أن تهوى إلى قاعه؟
قوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلاماتٍ ، وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ..
وفى مقابل هذا البحر ، وما فيه من نعم ، هذه الأرض اليابسة وما فيها لله من آيات ، وما تحدّث به تلك الآيات من قدرة الله ، وحكمته ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) وفى التعبير عن إرساء الجبال على الأرض بقوله تعالى : (أَلْقى فِي الْأَرْضِ) إشارة إلى أنها جاءت من عل ، وذلك لعلوّها وإشرافها على الأرض. وفى تعدية الفعل «ألقى» بحرف الجر «فى» بدلا من «على» إشارة أخرى إلى أن هذه الجبال لم تطرح على الأرض طرحا ، بل غرست فيها غرسا ، كما تغرس الأوتاد فى الأرض .. كما يقول جل شأنه : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً)؟ (٦ ـ ٧ : النبأ).
ـ وقوله تعالى : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) علة كاشفة عن بعض الحكمة فى غرس هذه الجبال فى الأرض ، وذلك لأن وجودها على الأرض يعطى الأرض تماسكا وصلابة ، فلا تضطرب أو تهتزّ أو تذوب فى مياه البحار ، كما يذوب الملح فى الماء.
ـ وقوله تعالى : (وَأَنْهاراً وَسُبُلاً) معطوف على قوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي وشق فيها أنهارا وسبلا أي طرقا .. وهذه الأنهار