قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
تتحدث الآية هنا عن مقطع من العالم الأرضى ، وهو مقطع البحار ، وما سخّر الله سبحانه وتعالى فيها من منافع للناس .. حيث يؤكل منها السمك ، ويستخرج منها اللؤلؤ والمرجان للزينة ، وتجرى فيها السفن ، تحمل الناس والمتاع من بلد إلى بلد ..
وفى هذه الآية أمور ..
فأولا : إفراد كلمة «البحر» .. وهذا يشير إلى أن عالم الماء كائن واحد ، وأن أجزاءه الداخلة فى اليابسة متصلة به ، بحيث ينبض كله بحياة واحدة ، ويأخذ جميعه مستوى واحدا ..
وثانيا : لم تذكر الأنهار ، مع أنها مصدر الماء العذب الذي يحيا عليه الإنسان والحيوان والنبات ، كما أنها كالبحر .. يؤكل منها السمك الذي يعيش فيها ، وتجرى عليها السفن ـ وذلك لأن الأنهار وليدة البحار ، فهى فرع من أصل ، وذكر الأصل يغنى عن ذكر الفرع .. إنه أي البحر عالم وحده ، وسيجيئ للأنهار ذكر فى مكانها ، حين يجىء ذكر الأرض ..
وثالثا : وصف لحم السمك بأنه لحم طرىّ ، إشارة إلى أنه يختلف عن لحم الحيوان ، من ضأن ، وبقر ، وجمل ، وغيرها .. لأن لحم السمك هشّ ، طرى ، غير متماسك تماسك لحم هذه الحيوانات .. وهو لهذا هيّن المضغ ، سهل الهضم ..
ورابعا : فى قوله تعالى : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) ـ عدول عن خطاب الجمع إلى المفرد ، وفى هذا مزيد عناية إلى هذه الظاهرة ، وتوجيه نظر