وهذا خطأ من وجوه.
فأولا ـ ليس الإنسان وحده هو المالك لهذه الأرض ، المستقل بها .. بل إنه كائن من كائناتها ، ومخلوق من مخلوقات الله فيها. وكونه خليفة الله على الأرض ليس بالذي يمنع من أن يكون معه غيره .. بل أن خلافته لا تتم إلا إذا كانت له رعايا يسوسها ، ويقوم على تدبيرها. وأنه كلما تعددت هذه الرعايا ، واختلفت صورها وأشكالها ، كان ضبط الإنسان لها ، وسيادته عليها ، دليلا على أهليته لهذه الخلافة ، واستحقاقه لها .. والله سبحانه وتعالى يقول : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) (٣٨ : الأنعام)
وثانيا ـ ليس ما لا ينتفع به الإنسان دليلا على أنه غير ذى نفع له ، فقد يكون فيه نفع كثير للإنسان ذاته ، وإن خفى ذلك عنه .. وأنه إذا لم يكن فى مقدور الإنسان الآن أن يسخر كثيرا من المخلوقات ، وينتفع بها ، فقد يستطيع يوما أن يجد الوسيلة التي تمكّن له من الانتفاع بها فى وجوه كثيرة .. فقد كان الإنسان الأول يخاف جميع هذه الحيوانات التي استأنسها اليوم وسخرها ، بل إنه كان ليعبد بعضها اتقاء لشرّه ، فأصبح الآن يتخذها مركبا له!!
وثالثا : أن هذه الحيوانات ، هى من قوى الطبيعة ، التي استطاع الإنسان بذكائه ، أن يدلل كثيرا من تلك القوى التي كانت فى وقت ما قوى مخيفة ، تهدّد أمن الإنسان وسلامته ، فما زال بها حتى انقادت له ، وأصبحت قوة مسخرة بين يديه ، سواء أكانت تلك القوى من عالم الحيوان أو عالم الجماد ..
ومطلوب من الإنسان أن يوجّه مدركاته كلها ، إلى كل حرون شارد من هذه القوى ، ويتعرف إلى مواطن الخير فيها .. وبهذا تظل مدركات الإنسان معاملة غير معطلة ، تزداد مع الأيام قوة وتمكينا ..