يحمل أثقاله ، وبمتطيها ركوبة له إلى أماكن بعيدة ، لم يكن يبلغها سعيا على قدميه إلا بشق الأنفس .. وذلك من رحمة الله به ، وشفقته عليه .. (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ..)
وقوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ* وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).
هو تفصيل لهذا الإجمال الذي جاء فى قوله تعالى : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ). فمن هذه الأنعام : الخيل والبغال ، والحمير .. وهى دواب الركوب والحمل ، ومراكب البهجة والمتعة ، حيث يستوى الإنسان على ظهرها ، فيجد لذلك ما ببهجة ، ويشرح صدره ، ويعلى فى الناس منزلته وقدره.
ـ وفى قوله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) إشارة إلى ما خلق الله من مخلوقات لا يعلمها إلا هو ، ولا يملك تسخيرها إلا هو ، إذ لا تخضع لسلطان الإنسان ، ولا تستجيب لعلمه.
ـ وفى قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ) إشارة إلى أن من هذه الحيوانات ما هو مستجيب لحاجة الإنسان ، قد يسر الله سبحانه وتعالى طبيعته حتى توافق طبيعة الإنسان وتألفه ، ومنها ما هو جائر ، أي منحرف عن وجهة الإنسان ، غير متلاق معه ، أو آلف له.
ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) دفع لهذا الاعتراض الذي يندفع فى بعض الصدور ، حين يرى أصحابها هذه المخلوقات الكثيرة التي لا تفيد الإنسان. بل ربما كانت أعداء تتربص الشر به ، وتتحين الفرصة للقضاء عليه ، فينكر خلق مثل هذه الحيوانات ، ولا يعترف لها بحق الوجود على الأرض ، إذ لا حكمة من خلقها ، ولا فائدة من وجودها ، فى تقدير الإنسان وحسابه.