الصافي ، والهواء النقي ، والعزلة الزاهدة .. بعيدا عن غبار الأرض ، وصخبها وضوضائها .. ثم إن النخلة من جهة ثالثة أكثر الشجر المثمر جودا وعطاءا .. يؤكل ثمرها رطبا ويابسا ، وعلى أصول شجره ، ومختزنا ، من غير أن يلحقه العطب ، أو يسرع إليه التلف .. ثم من جهة رابعة .. لا شىء من النخلة إلا وفيه نفع وخير .. خوصها ، وجريدها ، وليفها ، وعرجونها ، وكربها .. فهى من أخمص قدمها إلى قمة رأسها ، منافع متصلة ، يمكن أن تقوم عليها وحدها حياة الإنسان ، مستغنيا بها عن كل شىء .. ولعلّه من أجل هذا كانت النخلة من نبت الصحراء ، حتى يكون ما فيها من ثراء وغنى ، تعويضا لما فى الصحراء من جدب وفقر! ولعل فى قول رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «أكرموا عماتكم النّخل فإنهن خلقن من طينة آدم» ـ لعل فى هذا القول ما يكشف عن وجه من وجوه الإعجاز النبوىّ ، وأنه كما قال الله سبحانه وتعالى فيه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ، إذ يلتقى قوله هذا مع قوله تعالى : «و (مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) دالّا على الشجرة الطيبة ، ومشيرا إليها ..
والسؤال هنا هو : إذا كانت الشجرة الطيبة ـ نخلة كانت أو ما يشبهها ـ على تلك الصورة من الرسوخ والثبات ، والعلوّ ، وعلى تلك الصفة من البركة والنفع ، فأين ما فى الكلمة الطيبة من هذا كله؟ وقبل هذا السؤال ، سؤال آخر .. وهو : ما هى الكلمة الطيبة ، التي شبهت بالشجرة الطيبة ..؟
نقول : إن الكلمة الطيبة هى كل كلمة جاءت من واردات الحقّ والخير .. فكل كلمة تتسم بتلك السّمة ، وتحمل ضوءة من أضواء الحق ، ونفحة من نفحات الخير ، هى من الكلم الطيب ..
والكلم الطيب كثير : لا يكاد يحصر .. تختلف أشكاله ، وتتعدد صوره ، وتكثر أو تقلّ معطياته .. كما أن الشجر الطيب كثير ، تتنوع ثماره ، وتختلف