ـ وفى قوله تعالى : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ـ هو تشنيع على الضالّين ، واستخفاف بهم ، وتسفيه لأحلامهم ، إذ كان زخرف الحياة الدنيا ، وهذا المتاع الزائل الذي وقع لهم منها ـ هو مبتغى مسعاهم فيها ، ومبلغ حظهم منها ، فإذا وقع لهم منها شىء طاروا به فرحا ، ولو اغتال ذلك إنسانيتهم ، وطمس على عقولهم وقلوبهم ..
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى .. فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٦ : البقرة).
ـ قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) إشارة إلى أن الحياة الدنيا هى مزرعة للآخرة ، يتزود فيها الناس ليوم الفصل .. فمن كان زاده التقوى ، ربح ، وسعد ، وفاز بنعيم الجنة ورضوان الله ، ومن تزوّد بالذنوب والآثام ، فقد خاب ، وتعس ، وكان لجهنم حطبا.
قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ).
هو بيان لتعلّات الكافرين والضالّين ، الذين يدعون إلى الإيمان بالله ، وتقرع أسماعهم كلمات الله ، فلا يصيخون إليها ، ولا يفتحون عقولهم وقلوبهم لها ، بل يركبون رءوسهم ، ويتنادون فيما بينهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ؟) حتى لكأن هذه الآية التي يقترحونها هى اليد التي تشدّهم إلى الإيمان ، وتفتح آذانهم وقلوبهم إلى الله .. والله سبحانه وتعالى يقول : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٤٦ : الأعراف).