ما أودع فيهم من فطرة سليمة ، من شأنها أن تتهدّى إلى الله ، وتعرف طريقها إليه ، وتؤمن به ، لو أنها تركت وشأنها ، دون أن يدخل عليها ما يفسدها ، من وساوس الشيطان ، وغوايات المغوين ، وضلالات المضلّين. وهذا ما يشير إليه قول الرسول الكريم : «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، وإنما أبواه هما اللذان يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسّانه»
ثم بعد هذا الميثاق ، جاء ميثاق آخر يؤكده ، ويذكّر به ، وهو دعوة الرسول لهم إلى الإيمان بالله ، وأخذه الميثاق عليهم ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (٧ : المائدة) فنعمة الله هنا ؛ هى الرسول الذي جاءهم بكتاب الله إليهم ، والميثاق ؛ هو ما أخذه الرسول عليهم عند بيعتهم له على الإيمان ، حين قالوا : «سمعنا وأطعنا»
وإلى هذين الميثاقين ـ ميثاق الله ، وميثاق الرسول ـ يشير الله سبحانه وتعالى بقوله : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٨ : الحديد) .. ففى هذه الآية ينكر الله سبحانه وتعالى على المتوقفين عن الإيمان ، أو المعرضين عنه ، هذا الموقف .. إذ ما كان لهم أن يترددوا فى الإيمان بالله ، أو يعرضوا عن الإيمان به ، ورسول الله يدعوهم إلى الله ، ويذكرهم به ، ويقدم لهم بين يديه كتابا من عنده .. هذا إلى الميثاق الذي أخذه الله عليهم من قبل وهم فى عالم الأرواح ، وهذا الميثاق هو الفطرة المودعة فيهم ، وهى وحدها كانت كافية لأن يتعرفوا إلى الله ويؤمنوا به ، إن كانت هذه الفطرة قد بقيت سليمة فيهم ، مهيأة لقبول الإيمان : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن كنتم ما زلتم على فطرتكم التي فطركم الله عليها.