والذين عميت أبصارهم عن هذه الآيات ، فلم يروا منها شيئا يهديهم إلى الله ـ هما عالمان متضادان .. هؤلاء مبصرون ، وأولئك عمى لا يبصرون!
والاستفهام فى الآية الكريمة مراد به التقريع والتسفيه لأهل الشرك والضلال ، الذين عميت بصائرهم عن التهدّى إلى الحق ، على ضوء ما تلا عليهم الرسول الكريم من آيات الله ..
ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) هو تنويه بالمؤمنين الذين قادتهم عقولهم إلى الحق ، فعرفوا الله ، وآمنوا به ، كما أنه تعريض بالمشركين واتهام لهم بالسّفه ، والغفلة ، وأنهم ليسوا من أصحاب العقول العاملة المبصرة!
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) هو صفة لأولى الألباب ، أصحاب العقول المبصرة ، والبصائر المدركة ..
وعهد الله الذي يوفون به ، هو كل عهد يقطعونه على أنفسهم لله ، أو للنّاس ، وقد جعلوا الله كفيلا عليهم فيما أعطوا من عهد .. فالمؤمنون بالله حقّا هم الذين إذا أعطوا مثل هذا العهد من أنفسهم ، برّوا به ووفوا ، وأبى عليهم إيمانهم ، وولاؤهم لله أن يعطوا عهدا باسمه ، ثم يغدروا به وينقضوه ، فذلك مما لا يتفق مع الولاء لله ، والإكبار لذاته ، فضلا عن أنه حطّة بالكرامة الإنسانية ، وإزراء بقدر الإنسان ، وإسقاط لمروءته. وفى هذا يقول الله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً .. إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١ : النحل)
وأما الميثاق الذي لا ينقضونه ، فهو الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على أبناء آدم وهم فى عالم الأرواح ، كما يقول سبحانه وتعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) (١٧٢ : الأعراف) وهذا الميثاق الذي أخذه الله على أبناء آدم ، هو